التأمين المصري يواصل الصعود بثبات مدفوعًا بإصلاحات تشريعية ورقمنة شاملة
التأمين المصري يواصل الصعود بثبات مدفوعًا بإصلاحات تشريعية ورقمنة شاملة
كتبت – عبير أحمد
يشهد قطاع التأمين في مصر عامًا استثنائيًا من النمو والتطور، وفق ما أكدته أحدث تقارير الهيئة العامة للرقابة المالية، التي رصدت مؤشرات أداء قوية خلال الفترة من 2022 إلى 2024، مدفوعة بحزمة من الإصلاحات التشريعية والتحولات الرقمية التي أعادت رسم ملامح السوق التأميني المصري.
أوضحت البيانات أن القطاع سجل زيادة كبيرة في إجمالي أصول شركات التأمين بلغت نحو 39% لتصل إلى 343.2 مليار جنيه بنهاية 2024، مقارنة بـ242.2 مليار جنيه في العام السابق، كما ارتفعت الاستثمارات بنفس النسبة تقريبًا لتصل إلى 298.1 مليار جنيه، ما يعكس توسع الشركات في إدارة أموالها داخل الاقتصاد المحلي بما يدعم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء والمستفيدين.
وشهدت حقوق المساهمين قفزة نوعية بنسبة 62% لتسجل 131.4 مليار جنيه، وهو ما يعبر عن تحسن الملاءة المالية وزيادة رؤوس الأموال، بينما ارتفعت حقوق حملة الوثائق بنسبة 24% لتبلغ 159 مليار جنيه، تأكيدًا على نمو قاعدة المؤمن عليهم وتنوع الخدمات المقدمة لهم.
أما إجمالي الأقساط المحصلة فقد ارتفع بنسبة 30% ليصل إلى 82.3 مليار جنيه، مدفوعًا بتوسع الطلب على فروع التأمين المختلفة، خصوصًا التأمين الطبي ومتناهى الصغر، في حين بلغت التعويضات المسددة نحو 36.7 مليار جنيه بزيادة 26%، مما يعكس التزام الشركات بسداد حقوق العملاء وسرعة التعامل مع المطالبات.
هذه المؤشرات الإيجابية تترجم حالة الثقة المتزايدة في سوق التأمين المصري، الذي بات من أكثر القطاعات المالية استقرارًا، بفضل السياسات الإصلاحية التي تنفذها الهيئة العامة للرقابة المالية. فالارتفاع في الأصول والأقساط والاستثمارات يؤكد نجاح القطاع في تجاوز التحديات الاقتصادية وتعزيز دوره كأداة لحماية الأفراد والمؤسسات.
ويمثل صدور قانون التأمين الموحّد رقم 155 لسنة 2024 محطة فارقة في مسيرة الإصلاح، إذ يُعد أكبر تحديث تشريعي يشهده القطاع منذ عقود. القانون جمع تحت مظلته مختلف أنشطة التأمين وإعادة التأمين وصناديق التأمين الخاصة، ووضع إطارًا موحدًا للحوكمة والإشراف والرقابة. كما منح الهيئة سلطات واسعة في الترخيص والتنظيم ومتابعة الشركات والمهن المرتبطة بالنشاط التأميني.
القانون الجديد عزز كذلك من حماية حقوق حملة الوثائق، حيث نص على اختصاص المحاكم الاقتصادية حصريًا بالمنازعات التأمينية، لتسريع إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة، إلى جانب إلغاء بعض النصوص القديمة التي كانت تعرقل التطوير التشريعي.
وفي سياق التحول الرقمي، أصدرت الهيئة في عام 2025 الكتاب الدوري رقم (1) الذي ينظم الترخيص للمواقع الإلكترونية التابعة لشركات التأمين، بما يتيح تقديم الخدمات التأمينية إلكترونيًا بطريقة آمنة ومرخصة. ويأتي ذلك في إطار رؤية متكاملة لتحويل سوق التأمين المصري إلى منظومة رقمية متطورة تشمل إصدار الوثائق، وسداد الأقساط، وإدارة المطالبات إلكترونيًا، على غرار الأسواق العالمية الحديثة.
كما اعتمد مجلس إدارة الهيئة قرارًا رقم (148) لسنة 2025 بشأن معايير الملاءة المالية، لتحديد التوازن بين رأس المال والمخاطر التأمينية وضمان قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية. وجاء أيضًا القرار رقم (77) لسنة 2025 لوضع ضوابط دقيقة لحماية العملاء، وإنشاء إدارة متخصصة لفحص الشكاوى والتظلمات بهدف تعزيز الشفافية وثقة الجمهور في الشركات العاملة بالقطاع.
ومن خلال هذه الإصلاحات التشريعية والتنظيمية المتتابعة، يسير قطاع التأمين المصري نحو مرحلة جديدة من النضج والاستدامة، تجمع بين الكفاءة المؤسسية والرقمنة الشاملة، مما يعزز من قدرته على تحقيق الشمول المالي والتأميني الذي تستهدفه الدولة.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن ما تحقق خلال عامي 2024 و2025 من طفرة في المؤشرات المالية، وتطور في البنية القانونية والتكنولوجية، يمثل بداية عصر ذهبي لسوق التأمين المصري، الذي بات ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الوطني، وحماية المواطنين، وبناء منظومة مالية أكثر شمولًا وعدالة واستدامة.







